تركيا ومصر نحو فصول جديدة من العلاقات؛ والمستفيد كلا البلدين

عدد المشاهدات : 3707

بقلم/طه عودة أوغلو /باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية[1]خاص- سراي بوست

بعد خلاف سياسي إقليمي دام أكثر من عقد من الزمن، انكسر الجليد أخيراً لتدخل العلاقات التركية-المصرية في مرحلة متقدمة من المصالحة بعد إزالة معظم القضايا والشوائب التي تسبب حساسية لمصر، وتقف في وجه إعادة مسار التعاون إلى عهده السابق وعلى رأسها التقارب الذي حصل في الأشهر الأخيرة على صعيد ملف ليبيا والحدود البحرية في شرق المتوسط وتوزيع الطاقة وغيرها من الأمور التي كانت عالقة بين البلدين.

التطور والتقدم الراهن في مستوى العلاقات التركية-المصرية يرجع دون أدنى شك إلى زوال أهم عقبة في طريق عودة المياه إلى مجاريها، والمتمثلة بملف “الإخوان المسلمين ” لكن تبقى مسألة الحسم النهائي بالنسبة للتطبيع الكامل في يد “القاهرة” ومدى رضاها عن الخطوات الكبيرة التي اتخذتها تركيا في الأشهر الأخيرة لتلبية مطالبها، وذلك بعد سلسلة من الاتصالات واللقاءات الثنائية التي انحصرت بالدرجة الأولى في النطاق الأمني بين المسئولين في جهاز المخابرات العامة لكلا البلدين بالإضافة إلى جولتين من المباحثات جرت في عام 2021 على مستوى نائبي وزير خارجية البلدين، الأولى كانت في “القاهرة”، والثانية في “أنقرة” بينما ما زالت القيادة السياسية في مصر ترجأ مطلب تركيا بإعادة التواصل السياسي والدبلوماسي الرفيع المستوى إلى حين تحقيق مجموعة من الملاحظات والتي تتصدرها مسألة إيقاف نشاط الإخوان المسلمين في تركيا بالكامل، وتسليم المطلوبين منهم للسلطات المصرية.

من المعروف أنه منذ الإعلان عن جهود المصالحة، أبدتّ “أنقرة” اهتماماً كبيراً لاستئناف العلاقات وتحقيق مزيد من التقارب على المستويين السياسي والاقتصادي حيث كثفت خطواتها باتجاه تلبية ما يمكن من المطالب المصرية والتي تتضمن حسب التسريبات الاعتراف التركي بعبد الفتاح السيسي كرئيس شرعي منتخب في بلاده على أن يأتي هذا الاعتراف من أعلى سلطة في تركيا أي على لسان الرئيس رجب طيب إردوغان، بالإضافة أيضاً إلى عدم الاكتفاء بتجنب التناول السلبي للأوضاع في مصر بل الإغلاق التام للقنوات المعارضة لها في تركيا، ومنع أي اجتماعات في تركيا لقيادات الجماعة وأفراد من المعارضة المصرية بالخارج إلى جانب ملف آخر ما زال أحد أهم البنود الرئيسية على أجندة اللقاءات الأمنية بين الطرفين، وهو ملف المطلوبين، إذ تتمسك مصر بمسألة بتسليم بعض الأسماء المطلوبة أمنيا لديها.

بالنسبة لحكومة “أنقرة” يمكن القول أنها استجابت لمعظم المطالب المصرية من خلال “إيقاف النشاط الإعلامي المباشر للمعارضة المصرية في تركيا الموجه ضد النظام في مصر، واستبعاد عدد من الإعلاميين من الظهور في الفضائيات المعارضة، وعدم السماح لهم بالبث الشخصي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أما فيما يخص مسألة اعتراف الرئيس أردوغان بالرئيس السيسي، فهذا أمر محسوم بكل تأكيد لأن مجرد الرغبة التركية بإعادة التواصل مع “القاهرة” تعني تلقائياً الاعتراف ضمنياً بقيادتها الحاكمة بينما الاعتراف العلني سيأتي بعد أن يتم الاتفاق النهائي على المصالحة الكاملة ليكون متمماً لها، إذ لا يمكن تصور أن يضع الرئيس أردوغان نفسه في حرج الاعتراف بالسيسي قبل أن يتأكد تماماً من أن صفحة الخلافات قد طويت تماماً حفاظاً على صورته واعتباره وهو الذي كان من أشد المعارضين والمنتقدين للرئيس السيسي.

لكن حجر العثرة يبقى متمثلاً في إصرار “القاهرة” على مطلب تسليم “أنقرة” لمطلوبين مصريين لدى الجهات القضائية في البلاد لاتهامهم بجرائم جنائية حيث ما زالت تركيا ترفض، وتعرض بدلاً من ذلك إخراج تلك الشخصيات من أراضيها إلى بلد ثالث لكن بدون تسليمها بشكل مباشر. ولغاية اللحظة، ما زال موقف مصر من هذا العرض التركي غير نهائي لكن إذا نظرنا للأمر بموضوعية يمكن القول أن التنازلات التي قدمتها تركيا في سبيل إصلاح العلاقات قد تكون مقنعة لمصر لأن تقدم هي أيضاً بدورها تنازلات في هذا الصدد لعلمها أن هذا الشرط صعب التلبية إن لم يكن مستحيلاً من حيث أنه سيضع “أنقرة” في حرج أن “من يدخل أرضها ليس بآمن”، بالتالي هناك إمكانية بالاتفاق على صيغة أخرى بديلة مثلاً إخراج المعارضين لبلد يمكن للقاهرة أن تستردهم منها.

بكل الأحوال لا يبدو أن هذا الشرط سيعيق كثيراً استرداد العلاقات بالمقارنة مع المصالح الاقتصادية الهائلة بين البلدين لا سيما أن بيانات الخارجية المصرية لعام 2021 كشفت أنه على الرغم من العلاقات السياسية المتوترة إلا أن مصر احتلت، وللمرة الأولى في تاريخها، المركز الأول للصادرات إلى تركيا كما وأصبحت تركيا، خلال العام الماضي، الشريك التجاري الرابع لمصر على مستوى العالم بحيث نمتّ الصادرات المصرية إلى تركيا بنسبة 71 بالمئة، كما زادت الواردات بنسبة 13% لترتفع قيمة التجارة بين البلدين بنسبة 33 بالمئة عن العام الذي سبقه. أما فيما يخص موقع مصر من خريطة التجارة التركية في العام الماضي، فقد حلتّ بالمركز الخامس عشر في الصادرات التركية، والخامس والعشرين بقائمة الواردات التركية، وفي المركز التاسع عشر بقائمة شركاء التجارة بالعالم. يضاف إلى ذلك أن فترة القطيعة السابقة بموازاة التطورات العالمية الحالية تؤكد الحاجة الماسة إلى تفعيل المصالحة بين البلدين لأسباب اقتصادية أولاً ومن ثم سياسية تتعلق بخارجة التحالفات الإقليمية

لخدمة أهداف ومصالح الدولتين والشعبين، وتعزيز جهود الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة خلال هذه المرحلة الدقيقة التي تتعاظم فيها التحديات والمخاطر ويتم فيها خلط الأوراق وإعادة التوازنات إلى الشرق الأوسط حيث أن الانعكاسات السليبة في المنطقة تؤثر بشكل أو بآخر على هذين البلدين، وتكبدهما خسائر فادحة على كل الأصعدة.

وما يدعم هذه النظرية هي التصريحات الإيجابية التي صدرت من وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو أمس من أنه سيستضيف نظيره المصري سامح شكري على مائدة الإفطار في “اسطنبول” خلال الأيام المقبلة إذا لم يحدث أي طارئ، وقد تُتوج هذه الزيارة أيضاً بتعيين سفراء بشكل متبادل بعد أن تم خفض التمثيل الدبلوماسي بينهما في عام 2013 إلى مستوى القائم بالأعمال.

في المحصلة يمكن القول أن القيادة المصرية كما هو حال “أنقرة” ترغب أيضاً بإعادة بناء الجسور السياسية والاقتصادية وإسدال الستار على التوتر الذي بدأ منذ نحو 11 عاماً لكن على قاعدة إعادة بناء الثقة أولا حيث تنظر إلى جميع الآثار المحتملة للتقارب، ومنها تأثير ذلك على علاقاتها الخارجية، على سبيل المثال، العلاقات المصرية-اليونانية حيث يمكن لتحسين العلاقات مع “أنقرة” أن يؤدي بدوره إلى تراجع العلاقات مع “أثينا” التي تعتبرها القاهرة حليفاً مهما في البحر المتوسط، ولذلك فإن القاهرة تسعى إلى تحقيق التوازن. أما بالنسبة لأنقرة، فإن طبيعة دبلوماسيتها ذات الحركة السريعة والنشطة تجنح إلى استخدام هذا التطبيع بشكل جيد للتحكم في التحول والتوازن الدقيق خلال هذه الفترة الانتقالية للمنطقة، بالإضافة إلى استيعابها الجيد لما ستقدمه هذه الشراكة من ميزة هائلة في تخفيف حدة الاستقطاب الإقليمي حيث يمكن أن تتحول مصر إلى جسر يربط بين المحاور الإقليمية التي ترغب تركيا بالتقارب معها بدلاً من أن تكون سداً منيعاً في وجهها.

المصادر[+]

المصادر
↑1 خاص- سراي بوست

التعليقات


لا يوجد


إذا أردت إضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول