أزمة اللاجئين في تركيا تعود إلى الواجهة مجدداً

عدد المشاهدات : 4675

بقلم/ طه عودة أوغلو/باحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية[1]خاص – سراي بوست

منذ أكثر من 12 عاما مضى، ولا زالت مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا خاصة والعالم عموما “بلا حل”، لتنتج معها المزيد من حكايات المعاناة والألم والتشرد وفي نفس الوقت تحّمل الدول المضيفة عبئا كبيرا سواء من الناحية المجتمعية أو من الناحية المادية التي تثقل كاهلها وسط الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي يمر بها عالمنا اليوم.
ولعل تركيا التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين (قرابة الـ4 ملايين)، هي أكثر الدول المعنية في هذا الإطار، إذ بالإضافة إلى كونها من الدول المضيفة والمانحة في نفس الوقت، فإن تأمين الخدمات المعيشية اليومية المأوى، الصحة، الغذاء، التعليم، العمل يشكل عبئا ماليا كبيرا، اضطرت تركيا لتحمل القسم الأكبر منه بمفردها مقارنة بغيرها من دول الجوار كالأردن، ولبنان وحتى دول الاتحاد الأوروبي ممن سمحت للاجئين بالإقامة على أراضيه.
ووفقا لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين بتركيا، فإن الحرب في سوريا أجبرت نحو 6 ملايين و600 ألف شخص على مغادرة البلاد، لجأ منهم نحو 3 ملايين و700 ألف إلى تركيا، الأمر الذي جعلها أكبر دولة مستضيفة للاجئين حول العالم.
وعلى الرغم من كل هذه المسئوليات، وتأكيد تركيا أن حجم الأموال التي أنفقتها على استضافة اللاجئين تجاوزت الـ40 مليار دولار إلا أنها تبنت، وما زالت، في إدارتها لملف اللاجئين نهجا مختلفا مقارنة مع الدول الأوروبية.
فمنذ اندلاع أولى شرارات الحرب في سوريا، طبقّت تركيا سياسة الباب المفتوح، وحرصت على توفير ظروف إنسانية لإقامة اللاجئين على أراضيها. وأكد المسئولون الأتراك، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان، في أكثر من مناسبة أنهم ينظرون إلى اللاجئ القادم إلى البلاد كإنسان بغض النظر عن أصله، ومعتقده، ولغته، ولونه، وثقافته، كما أولوا اهتماما خاصا لقضية دمج اللاجئين داخل المجتمع التركي.
وفي مقابل هذا النهج الإنساني الذي تبنته تركيا إزاء اللاجئين، وقعت مأساة إنسانية في الدول الأوروبية بعد أن أغلقت حدودها في وجه اللاجئين، وأعلنت حالة الاستنفار مصنفة إياهم بـ”الأزمة”.

وللخروج من هذه الأزمة، أجمع الأوروبيون، ربما لأول مرة في تاريخهم على قرار واحد لا ثاني له، ذلك على الرغم من أنه يتناقض مع مبادئهم الإنسانية، وأيضا مع بنود اتفاقية “جنيف” لعام 1951 في هذا الشأن، وهو تصدير تركيا في الواجهة كمنقذ لهم. وكان الحل أن يبقى اللاجئون في دولة آمنة خارج القارة، أي في تركيا.
ونصت الاتفاقية الموقعة بين أوروبا وتركيا بخصوص اللاجئين في عام 2016 على استقبال تركيا المهاجرين الواصلين إلى اليونان ممن تأكد انطلاقهم من الأراضي التركية، ويتم اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل إعادة المهاجرين غير السوريين إلى بلدانهم، في حين يجري إيواء السوريين المعادين في مخيمات داخل تركيا، وإرسال لاجئ سوري مسجل لديها “رسميا” إلى بلدان الاتحاد الأوروبي مقابل كل سوري معاد إليها.
كما نصت الاتفاقية أيضا على أن تتخذ تركيا التدابير اللازمة لمنع تدفق اللاجئين غير الشرعيين، حيث بلغ عدد اللاجئين الذين انتقلوا إلى اليونان من تركيا نحو 800 ألف من بين أكثر من مليون لاجئ وصلوا إلى أوروبا في عام 2015.
وكحل عقلاني ونهائي لأزمة اللاجئين، اقترح الرئيس إردوغان تأسيس منطقة آمنة في سوريا يمكن للاجئين أن يعيشوا فيها مع التأكيد، وفي أكثر من مناسبة، أنه لن يسمح بإثارة خطوط الصدع في تركيا فيما يتعلق بملف اللاجئين.
وبلغة الأرقام، كشفت المديرية العامة لرئاسة الهجرة التركية لعام 2022م عن أحدث الإحصائيات بخصوص اللاجئين السوريين، فقالت أن عدد السوريين المقيمين على الأراضي التركية بموجب الحماية المؤقتة بلغ ثلاثة ملايين و741 ألف و251 لاجئ سوري.
وتصدرت ولاية “اسطنبول” أكثر المدن الجنوبية استقطابا للاجئين السوريين بواقع 535 ألف شخص، تلتها ولاية “غازي عنتاب” بنحو 461 ألف سوري ثم ولاية “هاتاي” بنحو 433 ألفا، ثم “شانلي أورفا” بـ428 ألفا. أما الأرقام الأخرى فتوزعت بين ولايات “أضنه” حيث يعيش 255 ألف سوري، “مرسين” 240 ألف، “بورصة” 183 ألف، “أزمير” نحو 149 ألفا، ونحو 100 ألفا في العاصمة “أنقرة”. فيما لفت التقرير إلى أن أكثر من 700 ألف طفل سوري وُلدوا في تركيا بينما وصل عدد السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية حتى نهاية العام الماضي 193 ألفا و293 سوريا.

وبحكم وقوعها في منطقة كثيرة الاضطرابات، فإن استضافة تركيا للاجئين لم تقتصر على السوريين فقط بل على كل من اضطر لمغادرة بلاده قسرا سواء بفعل الحرب أو الأوضاع الاقتصادية السيئة وهو ما يزيد من الأعباء والضغوطات الاقتصادية والاجتماعية عليها. ومن جملة اللاجئين، يأتي العراقيون في المرتبة الثانية بعد السوريين بعدد يتجاوز الـ700 ألف شخص وفقا لأحدث الأرقام الصادرة عن دائرة الهجرة التركية.

وهذه الهجرة بدأت أولا عقب الغزو الأمريكي للعراق، لتشهد فيما بعد تدفقا أكبر بعد سقوط المدن العراقية في يد “داعش” عام 2014، ومن ثم يأتي الإيرانيون، والأفغان، والفلسطينيين، والأويغور وعدد من الجاليات الإفريقية الأخرى التي تفيد المعلومات بأنهم دخلوا تركيا في الأساس من أجل العبور لأوروبا لكن الكثير منهم فشل، فظل مرابطا في تركيا.
وإن كانت تركيا وفي أكثر من محفل قد انتقدت الكثير من الدول التي كانت تقدم مساعدات للاجئين في بداية الأزمة السورية بينما بدأت في السنوات الخمس الأخيرة تسحب يدها شيئا فشيئا، فإنها لم تنسى دول أخرى أبتّ أن تتركها لوحدها في معالجة هذه الأزمة وظلت تساندها حتى اليوم على غرار دولة الكويت التي ما زالت تتقدم دول العالم في تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين السوريين في تركيا ماديا ومعنويا من مأوى وغذاء وأدوية.
في النتيجة، يمكن القول أنه على الرغم من استمرار المساعدات الإنسانية العالمية التي تثلج قلوب اللاجئين لكن تبقى حقيقة أن أزمة السوريين باقية على حالها دون أي تغيير بينما يقول معظم الخبراء أن غالبية اللاجئين لن يتمكنوا من العودة إلى بلادهم إما لأسباب سياسية أو معيشية؛ ما يعني أن تركيا معرضة لتغيير ديموغرافي مهم في المرحلة المقبلة.. فمهما تم النظر إلى الأزمة من جانبها الإنساني إلا أن التغييرات التي ستحدث في قلب المجتمع التركي ربما ستكون المشهد الأبرز في السنوات المقبلة.

المصادر[+]

المصادر
↑1 خاص – سراي بوست

التعليقات


لا يوجد


إذا أردت إضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول